الجمعة، 1 يونيو 2012

حوارات نقدية بين الفن الحديث والمعاصر .. الجزء الثاني :


            وهنالك آراء تُصف التذوق الفني على أنه نوع من الحكم والتفضيل ، وبأن المتذوقين يحكمون على الأعمال الفنية من خلال إصدار عبارات وصفية نقدية لما قد يسرهم أو يُسيئهم ، أو استمتعوا به ، أو ما اعتبروه ذا قيمة فنية مُتميزة ولعل التمييز بين تفسير وتفضيل أحد الأعمال الفنية ، وعرض المبررات الخاصة حول جودة العمل الفني هو أحد الجوانب الأساسية عند ممارسة التذوق الفني .
             وقد رأى بعض النقاد والمحللين بأن التذوق الفني هو عملية معرفية يتم من خلالها تجميع بيانات ومعلومات تُساعد على تكوين إطار فلسفي للمبررات التي يمكن من خلالها تذوق الفن ، فعلى المتذوق أن يتمكن من جمع المعلومات المُتعددة حول كيفية إبداع الأعمال الفنية المختلفة ، وما الذي أدخله الفنان المبدع في تلك الأعمال ، مع ضرورة  أن تحتوي تلك البيانات والمعلومات على محاولة اكتساب واستخدام المعرفة المرتبطة بكل من الموضوع الفني والفنان ، والمواد الفنية المُستخدمة ، وأيضاً الإطار التاريخي ، والجوانب المرتبطة بالطراز والأسلوب الفني المُتبع ، وتجميع البيانات والمعلومات يجب أن يهدف إلى استكشاف وتوضيح المفاهيم الرئيسة المستخدمة في وصف الشكل الفني لأحد الأعمال الفنية ، ويشمل ذلك ( الاتزان ، والترابط ، والوحدة ، والإيقاع ، والتكرار ، والانفعال ) .
             ومن ناحية أخرى فالتذوق الفني يدعم الشخصية بسلوكيات وأساليب الرؤية والمعرفة والبحث ، مما يعطي العلم والمعرفة جانب الاستمتاع ، ويُضفي على البحث العلمي مهارات جديدة تؤكد قيمته ، واكتساب القدرة على التذوق الفني يحتاج إلى عدة مهارات تستدعي التدريب على استخدام الرموز داخل الأعمال الفنية وتنظيمها في علاقات خاصة تعمل على تنمية القدرة التذوقية ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى رؤية تلك الأعمال سعياً إلى محاولة تذوق مدلولاتها الضمنية ، حيث تتعدد تلك المدلولات بتعدد جمهور المتذوقين ، فيُضفي متذوق الفن على العمل الفني وجهة نظره الخاصة مُتأثراً بطبيعته النفسية ومعتقداته الدينية والاجتماعية ، والفلسفية ، فيضع للموضوع الفني قيمة من وجهة نظره لم يقصدها الفنان .
             وقد يرجع اختلاف الناس في أذواقهم إلى عدة عوامل من أهما شدة الحساسية المتأصلة عند بعضهم ، أو شدة تركيز الانتباه على الموضع عند البعض الآخر ، فضلاً عن اختلاف التربية والبيئة بمعناها الواسع حيث تُعد من الأسباب الهامة لاختلاف الأفراد في تذوقهم الفني ، هذا إلى جانب تأثير تدخل الذكريات في عملية التقدير الجمالي للأشياء .
                                                                                                             محمدالعبدالكريم ،،

الأحد، 27 مايو 2012

حوارات نقدية بين الفن الحديث والمعاصر .. الجزء الأول !!


بداية لابد لنا من التفريق بين مفهومي الفن الحديث والفن المعاصر ، فالفن الحديث مُرتبط بالإبداع ( أي ابتكار سلوك تكيفي مع البيئة ومكوناتها الجديدة ) وهو نمط من أنماط السلوك الإنساني الذي تتغير أشكاله بتغير العصور والأزمنة والثقافات ، حيث يرى ( هيربرت ريد 1974مHerbert Read  )  بأن الحداثة مشتقة من انعكاس الثقافة الحديثة وأسلوب الحياة على الإبداع فإذا كان الفنان متوافقاً معها في الرؤية الحضارية وطريقة الإدراك ، والتفكير تغير أسلوبه الإبداعي بما تقتضيه الظروف المستحدثة واتسم بالحداثة .
     وقد نظر كل من ( جرينبرج 1965م ) و ( هربرت ريد 1974م ) إلى فن الحداثة من زاويتين مختلفتين لكنهما اتفقا في النتيجة حيث بدأها الأول بتفضيل خامات الرسم والتلوين ، وبدأها الثاني برسم حقيقة الأشياء بعيداً عن مظهرها الخارجي ، فقد حدد كل منهما نقطة وتاريخاً لبداية ( الحداثة ) واتفق كل منها على أن الأسلوب هو مؤشر ( الحداثة ) سواء كان طريقة التنفيذ كما في حالة وضع الألوان على القماش عند ( مانيه ) أو طريقة الإدراك عند ( سيزان ) التي أوضحها بقوله عن الطبيعة أنها تتألف من أشكال ( المخروط ، والاسطوانة ، والمكعب ) فهما لم يهتما بالموضوعات المرسومة أو بمعنى ومضمون العمل الفني  .
    أما الفن الذي قد يُطلق عليه " معاصراً " فهو بالتحديد الفن الذي بطبيعة مواده ، وأساليبه ، وأفكاره يجبرنا على تغيير دور الفن والفنان بما يواكب حاجات المجتمع كما يُحفزنا إلى تجديد أنماط حياتنا لمواجهة معظم المتغيرات المتلاحقة . لقد أصبح الفن معاصراً عندما بدأ يُحدثنا عن حياتنا اليومية بأحداثها المتلاحقة وبدأ في تحقيق مفهوم ( الفن للجميع ) فالفن المعاصر هو الفن الذي يُجدد علاقاته بالجمهور بشكل دائم ، مُعتمداً على الوظائف التي يتخذها لنفسه ومرتكزاً على قابليته لإحداث مُتغيرات مُتلاحقة في بنيته الفكرية والشكلية .
    والتذوق الفني هو عملية اتصال تتم بين طرفين أولهما المرسل وهو الفنان ممثلاً في أعماله ، وثانيهما المُستقبل ( المتذوق ) أو المستمتع بتلك الأعمال التشكيلية والمتفاعل معها برؤية تأملية ، وبين الفنان والمُتلقي قناة تواصل ورسالة مُحملة على هذه القناة ، مما يعني قدرة المتلقي على الإحساس بما يتعامل معه من مُدركات بصرية ، وإمكانية الكشف عن ما تتضمنه تلك الأعمال من قيم فنية وجمالية ، وما تعكسه من قيم تعبيرية وأيضاً ما تحمله من مضامين فكرية في شتى جوانب الحياة . فالعمل الفني عبارة عن رموز أو علامات تدل على اتصال الأفكار والقيم ، ويرى البسيوني ( 1989م ) بأن التذوق الفني هو " نوع من التعاطف والاستجابات الوجدانية ، وبأن التذوق عملية تُعبر عن علاقة تعاطف بين الفرد وبين الشيء الذي يستحوذ على مشاعره بما يحمله من سمات جمالية تجعل الإنسان يُحس بالمتعة والارتياح مما يعني أن إعجاب المتذوق بجمال الفن ينتج عن التأثر الوجداني " ويستند البعض في تعريفهم لمفهوم التذوق الفني على أنه ( عملية إدراكية ) وأن التذوق الفني هو عملية إدراكية جمالية يتم فيها نفاذ العين إلى عمق الموضوع للوصول إلى الكيفية الوجدانية للموضوع ، وقد يُعبر عن التذوق الفني بأنه الحساسية للأعمال الفنية ، وذلك من خلال النظرة الفاحصة والتأمل ، وطرح عدد من الأسئلة للتعرف على بعض الممارسات الفنية التاريخية ، حيث تزداد حساسية العقل من النواحي الإدراكية ، والعاطفية ، والمفاهيمية . فالتذوق الفني يرتبط بالإدراك البصري حيث يعمل على كشف ما في الأعمال الفنية من قيم ومعان سامية ، وفهم العناصر والرموز والسلوك المرئي باستجابة فعالة . 

                                              بقلم / محمد العبدالكريم ،،،،

الجمعة، 4 مايو 2012

أراء في مفهوم التذوق الفني ..

     يرى بعض النقاد والمحللين بأن التذوق الفني هو عملية معرفية يتم من خلالها تجميع بيانات ومعلومات تُساعد على تكوين إطار فلسفي للمبررات التي يمكن من خلالها تذوق الفن ، فعلى المتذوق أن يتمكن من جمع المعلومات المُتعددة حول كيفية إبداع الأعمال الفنية المختلفة ، وما الذي أدخله الفنان المبدع في تلك الأعمال ، مع ضرورة  أن تحتوي تلك البيانات والمعلومات على محاولة اكتساب واستخدام المعرفة المرتبطة بكل من الموضوع الفني والفنان ، والمواد الفنية المُستخدمة ، وأيضاً الإطار التاريخي ، والجوانب المرتبطة بالطراز والأسلوب الفني المُتبع ، وتجميع البيانات والمعلومات يجب أن يهدف إلى استكشاف وتوضيح المفاهيم الرئيسة المستخدمة في وصف الشكل الفني لأحد الأعمال الفنية ، ويشمل ذلك ( الاتزان ، والترابط ، والوحدة ، والإيقاع ، والتكرار ، والانفعال ) .
     ومن ناحية أخرى فالتذوق الفني يدعم الشخصية بسلوكيات وأساليب الرؤية والمعرفة والبحث ، مما يعطي العلم والمعرفة جانب الاستمتاع ، ويُضفي على البحث العلمي مهارات جديدة تؤكد قيمته ، واكتساب القدرة على التذوق الفني يحتاج إلى عدة مهارات تستدعي التدريب على استخدام الرموز داخل الأعمال الفنية وتنظيمها في علاقات خاصة تعمل على تنمية القدرة التذوقية ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى رؤية تلك الأعمال سعياً إلى محاولة تذوق مدلولاتها الضمنية ، حيث تتعدد تلك المدلولات بتعدد جمهور المتذوقين ، فيُضفي متذوق الفن على العمل الفني وجهة نظره الخاصة مُتأثراً بطبيعته النفسية ومعتقداته الدينية والاجتماعية ، والفلسفية ، فيضع للموضوع الفني قيمة من وجهة نظره لم يقصدها الفنان .
      وقد يرجع اختلاف الناس في أذواقهم إلى عدة عوامل من أهما شدة الحساسية المتأصلة عند بعضهم ، أو شدة تركيز الانتباه على الموضع عند البعض الآخر ، فضلاً عن اختلاف التربية والبيئة بمعناها الواسع حيث تُعد من الأسباب الهامة لاختلاف الأفراد في تذوقهم الفني ، هذا إلى جانب تأثير تدخل الذكريات في عملية التقدير الجمالي للأشياء .
                                                محمد العبدالكريم ،،

أبعاد في مفهوم التذوق الفني ..

   التذوق الفني هو عملية اتصال تتم بين طرفين أولهما المرسل وهو الفنان ممثلاً في أعماله ، وثانيهما المُستقبل ( المتذوق ) أو المستمتع بتلك الأعمال التشكيلية والمتفاعل معها برؤية تأملية ، وبين الفنان والمُتلقي قناة تواصل ورسالة مُحملة على هذه القناة ، مما يعني قدرة المتلقي على الإحساس بما يتعامل معه من مُدركات بصرية ، وإمكانية الكشف عن ما تتضمنه تلك الأعمال من قيم فنية وجمالية ، وما تعكسه من قيم تعبيرية وأيضاً ما تحمله من مضامين فكرية في شتى جوانب الحياة . فالعمل الفني عبارة عن رموز أو علامات تدل على اتصال الأفكار والقيم .
     ويرى البسيوني ( 1989م ) بأن التذوق الفني هو " نوع من التعاطف والاستجابات الوجدانية ، وبأن التذوق عملية تُعبر عن علاقة تعاطف بين الفرد وبين الشيء الذي يستحوذ على مشاعره بما يحمله من سمات جمالية تجعل الإنسان يُحس بالمتعة والارتياح مما يعني أن إعجاب المتذوق بجمال الفن ينتج عن التأثر الوجداني " ويستند البعض في تعريفهم لمفهوم التذوق الفني على أنه ( عملية إدراكية ) وأن التذوق الفني هو عملية إدراكية جمالية يتم فيها نفاذ العين إلى عمق الموضوع للوصول إلى الكيفية الوجدانية للموضوع ، وقد يُعبر عن التذوق الفني بأنه الحساسية للأعمال الفنية ، وذلك من خلال النظرة الفاحصة والتأمل ، وطرح عدد من الأسئلة للتعرف على بعض الممارسات الفنية التاريخية ، حيث تزداد حساسية العقل من النواحي الإدراكية ، والعاطفية ، والمفاهيمية . فالتذوق الفني يرتبط بالإدراك البصري حيث يعمل على كشف ما في الأعمال الفنية من قيم ومعان سامية ، وفهم العناصر والرموز والسلوك المرئي باستجابة فعالة .
    وهنالك آراء تُصف التذوق الفني على أنه نوع من الحكم والتفضيل ، وبأن المتذوقين يحكمون على الأعمال الفنية من خلال إصدار عبارات وصفية نقدية لما قد يسرهم أو يُسيئهم ، أو استمتعوا به ، أو ما اعتبروه ذا قيمة فنية مُتميزة .  ولعل التمييز بين تفسير وتفضيل أحد الأعمال الفنية ، وعرض المبررات الخاصة حول جودة العمل الفني هو أحد الجوانب الأساسية عند ممارسة التذوق الفني .  
                                                                                           
                                                                                          محمد العبدالكريم

السبت، 21 أبريل 2012

أراء و اتجاهات في التذوق الفني :

1) التذوق الفني كعملية اتصال :

    التذوق الفني عملية اتصال Communication )) تتم بين طرفين أولهما المرسل وهو الفنان ممثلاً في أعماله ، وثانيهما المُستقبل المتذوق أو المستمتع بها والمتفاعل معها برؤية تأملية ، بينهما قناة التوصيل ورسالة محمولة على هذه القناة ، مما يعني قدرة المتلقي على الإحساس بما يتعامل معه من أعمال فنية ، وإمكانية الكشف عما تتضمنه تلك الأعمال من قيم فنية وجمالية ، وما تعكسه من قيم تعبيرية وأيضاً ما تحمله من مضامين فكرية متنوعة . فالعمل الفني عبارة عن رموز أو علامات تدل على اتصال الأفكار والقيم ، هذا إلى جانب أن الفنانين هم الذين يقومون بإرسال هذه الرسائل ، ومن ثم فإن العمل الفني الذي يبدعه الفنان من خلال اختياره للموضوع ، والوسيلة الفنية ، ووجهة النظر ، والتقنية بمثابة عبارة شخصية مُتقنة ، وبين العمل الفني ومُبدعه والمشاهد يتم التذوق الفني .

2) التذوق الفني والاستجابات الوجدانية :
    يرى البسيوني ( 1989م ) أن التذوق الفني " نوع من التعاطف والاستجابات الوجدانية ، وبأن التذوق عملية تعبر عن علاقة تعاطف بين الفرد وبين الشيء الذي يستحوذ على مشاعره بما يحمله من سمات جمالية تجعل الإنسان يُحس بالمتعة والارتياح مما يعني أن إعجاب المتذوق بجمال الفن ينتج عن التأثر الوجداني " .
3)  التذوق الفني كعملية إدراكية :
    ويستند البعض في تعريفهم لمفهوم التذوق الفني على أنه ( عملية إدراكية ) وأن التذوق الفني هو عملية إدراكية جمالية يتم فيها نفاذ العين إلى عمق الموضوع للوصول إلى الكيفية الوجدانية للموضوع ، وقد يُعبر عن التذوق الفني بأنه الحساسية للأعمال الفنية ، وذلك من خلال النظر ، والتأمل ، وإلقاء بعض الأسئلة  والتعرف على بعض الممارسات التاريخية والفنية حيث تزداد حساسية العقل من النواحي الإدراكية ، والعاطفية ، والمفاهيمية ، فالتذوق الفني يرتبط بالإدراك البصري حيث يعمل على كشف ما في الأعمال الفنية من قيم ومعان سامية ، وفهم العناصر والرموز والسلوك المرئي باستجابة فعالة .
4) التذوق الفني كنوع من الحكم والتفضيل :
    وهنالك آراء تُصف التذوق الفني على أنه نوع من الحكم والتفضيل ، وبأن المتذوقين يحكمون على الأعمال الفنية من خلال إصدار عبارات وصفية نقدية لما قد يسرهم أو يُسيئهم ، أو استمتعوا به ، أو ما اعتبروه ذا قيمة فنية متميزة .  ولعل التمييز بين تفسير وتفضيل أحد الأعمال الفنية ، وعرض المبررات الخاصة حول جودة العمل الفني هو أحد الجوانب الأساسية عند ممارسة التذوق الفني . ويؤكد عطية ( 1995م ) على " أننا لكي نرفع من مستوى ذوق المتلقي فلابد من تنمية قدراته على التمييز والتفضيل بين المذاهب والأساليب والأنماط الفنية " .
5)  التذوق الفني كعملية معرفية :
    والتذوق الفني عملية معرفية يتم خلالها تجميع بيانات ومعلومات تُساعد على تكوين إطار فلسفي للمبررات التي يمكن من خلالها تذوق الفن ، فعلى المتذوق أن يتمكن من جمع المعلومات المُتعددة حول كيفية إبداع الأعمال الفنية المختلفة ، وما الذي أدخله الفنان المبدع في تلك الأعمال ، مع ضرورة  أن تحتوي تلك البيانات والمعلومات على محاولة اكتساب واستخدام المعرفة المرتبطة بكل من الموضوع الفني والفنان ، والمواد الفنية المستخدمة ، وأيضاً الإطار التاريخي ، والجوانب المرتبطة بالطراز والأسلوب الفني المتبع ، وتجميع البيانات والمعلومات يجب أن يهدف إلى استكشاف وتوضيح المفاهيم الرئيسة المستخدمة في وصف الشكل الفني لأحد الأعمال الفنية ، ويشمل ذلك   ( الاتزان ، والترابط ، والوحدة ، والإيقاع والتكرار ، والتوتر ، والانفعال ) .
    ومن ناحية أخرى فالتذوق الفني يدعم الشخصية بسلوكيات وأساليب الرؤية والمعرفة والبحث ، مما يعطي العلم والمعرفة جانب الاستمتاع ، ويُضفي على البحث العلمي مهارات جديدة تؤكد قيمته ، واكتساب القدرة على التذوق الفني يحتاج إلى عدة مهارات تستدعي التدريب على استخدام الرموز داخل الأعمال الفنية وتنظيمها في علاقات خاصة تعمل على تنمية القدرة التذوقية ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى رؤية تلك الأعمال سعياً إلى محاولة تذوق مدلولاتها ، حيث تتعدد تلك المدلولات بتعدد جمهور المتذوقين ، فيُضفي متذوق الفن على العمل الفني وجهة نظره الخاصة متأثراً بطبيعته النفسية ، فيضع للموضوع الفني قيمة من وجهة نظره لم يقصدها الفنان .
    وقد يرجع اختلاف الناس في أذواقهم إلى عدة عوامل من أهما شدة الحساسية المتأصلة عند بعضهم ، أو شدة تركيز الانتباه على الموضع عند البعض الآخر ، فضلاً عن اختلاف التربية والبيئة بمعناها الواسع حيث تُعد من الأسباب الهامة لاختلاف الأفراد في تذوقهم الفني ، هذا إلى جانب تأثير تدخل الذكريات في عملية التقدير الجمالي للأشياء .
1 ) عطية ، محسن محمد ( 1995م ) : تذوق الفن ، الأساليب ، التقنيات ، المذاهب . القاهرة : دار المعارف .

2 ) البسيوني ، محمود ( 1989م ) : مبادئ التربية الفنية . القاهرة : دار المعارف .

الأحد، 15 أبريل 2012

الجزء الرابع ( 4 ) التذوق الفني من زاوية تربوية :


·       خامساً / التذوق الفني يُنمي الانتماء والشخصية الوطنية :
     إن من أهداف المجتمع إعداد فرد متكامل مؤمن بربه ومنتمي لوطنه وأرضه ويعمل على إسعاد مجتمعه ، والتذوق الفني يلعب دوراً هاماً في تنمية هذه المشاعر وتأكيدها ، فحب الوطن لا يمكن أن ينمو دون أن تُغرس هذه المشاعر في النشئ ، كما يمكن أن يُعلم الكبار ذلك من خلال الاهتمام بآثار الحضارات والفنون في وطنهم وتذوقها ، وكلما زادت معرفة الطالب بمكانة وطنه وتطوره الحضاري ومنزلة تلك الحضارة بين الحضارات المختلفة فإن ذلك سيزيد من فهم الطالب لشخصيته وانتمائه الذي هو جانب من تكوين الشخصية الوطنية . وتُشير عبير صبحي ( 1999م ) إلى أن " التذوق الفني يربط النشئ بالبيئة الطبيعية الجمالية المحيطة بهم ويجعلهم أكثر تكيفاً وقدرةً على التعايش ومحاولة التطوير ، كما أن التذوق الفني مرتبط بالسلوك الابتكاري الذي يكتسبه المتذوق كنتيجة لاحتكاكه بالأعمال الفنية ، وفهمه للإبداع الفني , والفن والتذوق الفني يخلقان نوع من الاتزان بين الاهتمامات الفطرية والاتجاهات الإنسانية ، ومما لا شك فيه أن العديد من الخبرات ستنعكس على شخصية الطالب وسلوكه كنتيجة للتذوق الفني " . والمعايير التي نُقدر بها الفن هي معايير اجتماعية مُشتركه , فعملية التواصل من خلال التذوق الفني تعمل على تنميه روح التألف بين الفنان والجمهور , وبين المتذوقين أنفسهم مما يُعزز الإحساس بالمشاركة وانتماء الفرد للجماعة والوطن .
     كما أن عمليه النقاش وتبادل الخبرات والآراء بين الطلاب حول الاحكام التي يطلقونها وفق تفضيلاتهم الشخصية ووفق المعايير السائدة للتذوق الفني في المجمع تمكنهم من التفاعل الاجتماعي والتواصل ، وتكوين القيم المشتركة التي تساعدهم على التكيف الاجتماعي وتُعزز القواسم الثقافية المشتركة بين أبناء المجتمع .

·       سادساً / التذوق الفني يُنمي المعرفة والتفكير الناقد : 
     تكمن أهمية التذوق الفني في أنه نافذة الفرد للتأمل والاطلاع على آيات الله في خلقه بعين فاحصة تُميز مواطن الإبداع في البيئة الطبيعية وفيما أنتج الإنسان وأبدع , ومن خلال هذه الرؤية التأملية والإبداعية نتعلم التصنيف ، والتحليل ، والتمييز بين مستويات الجمال والإبداع .
وتُشير فاطمة ومحمد ( 2005م ) إلى أن " الثقافة البصرية لها علاقة وطيدة بأساليب المعرفة ، والتأمل ، والتفكير ، والنقد والإبداع وقد عرف هوارد ( Howard ) 1989م  الثقافة البصرية بأنها مجموع القدرات البصرية التي يُمكن للفرد أن ينميها بواسطة الرؤية لتكون لديه القدرة على الانجاز والتكامل مع الحواس الأخرى . ومن أهداف الثقافة البصرية تنميه قدرة الفرد على التأمل ، والرفض ، والقبول ، وإصدار القرارات " .
وفي هذا الصدد يرى ( توماس وست  Thomas west ) أن بعض عظماء المفكرين في المجالات المختلفة اعتمدوا على أنماط التفكير البصري مُستخدمين صوراً ذهنية أكثر من الاعتماد على اللفظية والرموز , أي بعيداً عن الكلمات والأعداد , كما يرى أن طرق التفكير البصري والمكاني يبدو أنها تناسب جيداً معالجة مشكلات معينة , وأن هذه الأساليب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكثير من الإنجازات الإبداعية في مجالات العلوم والفنون ، ويُعتبر اتجاه  (جودمان Goodman ) المعرفي من أبرز الاتجاهات الحديثة في دراسات الفن , فقد قدم  جودمان النظرية الإرشادية أو نظرية العلامات ( Semiotic Theory ) في مجال الفن ، حيث نظر إلى الأعمال الفنية باعتبارها انساقاً من الرموز ، وقام بعقد مقارنات بين التمثيل البصري والوصف اللفظي , و قال أن قراءة اللوحات وقراءة النصوص تشملان على عملية تمييز وإحاطة بصرية , وأن الخبرة الجمالية هي خبرة دينامية وليست خبرة سلوكية ، وأنها تشمل على القيام بتمييزات دقيقة , وعلى التنبيه إلى العلاقات المرهفة الدقيقة , وعلى تحديد الأنظمة الرمزية والخصائص المميزة داخل الأنساق الفنية . ويرفض ( جودمان ) فكرة أن الفن أكثر انفعالية وأقل معرفية من العلم , ذلك لأن الخبرات الجمالية والعلمية تتشابهان كونهما ذوات طبيعة معرفية .
وقد أشار جروان ( 1998م ) إلى تعريف باريل ( Barell )  للتفكير بأنه في أبسط تعريف له عبارة عن " سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمُثير يتم استقباله عن طريق واحده أو أكثر من الحواس الخمس ( اللمس ، والبصر ، والسمع ، والشم ، والذوق ) والتفكير بمعناه الواسع عملية بحث عن معنى في الموقف أو الخبرة وقد يكون هذا المعنى ظاهراً حيناً وغامضاً حينًا آخر ، ويتطلب التوصل إليه تأملاً وإمعان نظر في مكونات الموقف أو الخبرة التي يمر فيها الفرد ، ولذلك فهو يتضمن استكشافاً وتجريباً ، و نبدأ التفكير عادة عندما لا نعرف ما الذي يجب عمله بالتحديد " .
و يُعرف إبراهيم ( 2004م ) التفكير بأنه " نشاط عقلي واع يسعى لحل مشكلة أو موقف غامض ، أو إيجاد وسيلة تخفف من متاعب الحياة " . ويضيف " أن الإنسان المُفكر يُلاحظ بعقل متفتح كل ما يمر أمامه أو يثير فضوله , وأن التفكير الناقد هو عبارة عن مهارات التمييز بين الحقائق والأداء , والحكم على مدى صحة وصدق وقيم الشيء , لأن التفكير الناقد يعني تكوين عادة الامتناع عن إصدار الأحكام إلا إذا اكتملت الأدلة " .
إننا نكشف في تحليلنا الجمالي للأعمال الفنية حقائق عن الحياة , ونتعرف على أساليب متميزة من الأداء الفني عن طرق التخيل والرموز بالقدر الذي يسمح بفهم جذور الحضارة الإنسانية التي شملت الفنون وحياة الناس وردود أفعالهم تجاه العالم من حولهم . فمن خلال دراسة تاريخ الفن والتأمل في الأعمال الفنية يُلم الفرد بأساليب الفن التي كانت مُتبعة آنذاك وبفلسفة الفن ونظرياته ، كما يُلم بالأساليب الحياتية السابقة كالحياة الدينية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، والعلمية . و هذا النوع من المعرفة الحسية لا يتسطيع الفرد أن يستغني عنه لأنه جانب هام يُمثل كنوز الماضي وذخيرة المستقبل ، و ينم عن ما استطاع الإنسان أن يصل إليه من اكتشافات وأفكار .
    إن الهدف الأساسي من تدريس التذوق الفني يتمثل في تعليم الطلاب كيف يفكرون بتأمل وبشكل نقدي بصرف النظر عن طبيعة الموضوع . ودراسة التذوق الجمالي تُصبح مقدمة لنشاط فلسفي أساسي لإكتساب المعرفة الذاتية . من ذلك كله يتبين لنا أهمية التذوق في تنمية القدرة على التفكير المنطقي المبني على المنهج العلمي الصحيح في تناول الظواهر التي تحدث من حولنا ، وأن العين هي وسيلة الإنسان الأولى للاتصال بالعالم الخارجي ، والتذوق الفني يعود الفرد ويشجع التلاميذ  ليكونوا أصحاب وجهة نظر متميزة نحو جميع القضايا التي تواجههم في الحياة من خلال انتقال تلك الخبرة .

·  فاطمة أبو النوارج ، ومحمد صالح ( 2005م ) : جماليات الكون . ج3 ، القاهرة : مطابع الأهرام التجارية .
· جروان ، فتحي عبدالرحمن ( 1998م ) : تعلم التفكير - مفاهيم وتطبيقات . دار الكتاب الجامعي .
· إبراهيم ، مجدي عزيز ( 2004م ) : استراتيجيات التعلم وأساليب التعليم . القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
·      عبير صبحي محمد دياب ( 1999م ) : برنامج مقترح للتربية المتحفية كمدخل للتذوق الفني للطفل . رسالة ماجستير غير منشورة ، مصر : كلية التربية الفنية ، جامعة حلوان .
 

الاثنين، 9 أبريل 2012

الجزء الثالث ( 3 ) التذوق الفني من زاوية تربوية :

            
·       رابعاً / التذوق الفني يُهذب السلوك الأخلاقي في التعامل مع البيئة  :
التذوق الفني يهدف إلى تربية الأفراد جمالياً , فالتربية الجمالية هدف من أهداف التربية بصفة عامة , ولا يُمكن لمجتمع أن يتمتع بمقومات حضارية دون هذا النوع من التربية ، فالسلوك الجمالي مطلوب في التعامل والتعرف على المواقف المختلفة ، وموقف الأفراد تجاه الفن والأعمال الفنية هام في حد ذاته لتقوية سلوكهم نحو اختيار بيئة جمالية .
وأشار البسيوني (1986 م ) إلى قول ( هربرت ريد ) : " أننا حين نخوض في أشكال الحياة الرئيسة في الفرد وفي المجتمع نجد العامل الجمالي مُسيطر ولا يُمكن الهروب منه ، إنه المبدأ الذي يُشكل أي تصميم وأي هدف يُمكن أن نفطن إليه بذكائنا في هذا الكون ، وإذا استنكرنا معناه سوف نسوق البشر إلى فوضى ، وهذا ما حدث مراراً في الفترات المضمحلة في التاريخ البشري ، وأن أُسس بناء المدينة لا ترتكز على العقل وإنما على الحواس , وما لم نتمكن من استخدام الحواس وتربيتها فلا يُمكن أن نحقق الظروف العضوية للحياة الإنسانية ".
إن الدوافع الأخلاقية هي التي تتحكم بضمير الفرد ليكون رقيباً على سلوكه الإيجابي نحو بيئته ليُحافظ على هذه البيئة من كافة أنواع التلوث ، ويتكامل دور الدين والفن في تنمية هذا الاتجاه ، ومنذ القدم كان ( أفلاطون ) قد فكر في أن الفعل الخُلقي جميل والفعل غير الخُلقي قبيح , ورأى أيضاً أنه يجب أن تُراعي الدولة الفنانين وتختار منهم أصحاب المواهب الذين يشكلون البيئة بكل ما فيها من جمال . فإذا شب الجيل الجديد لابد أنه يتنفس الجمال من كل مورد نقي تهب منه نسمة . يقول ( أفلاطون ) : " وستري عند إذن أن صغارنا يسكنون أرضاً صحية منذ سنوات حياتهم الأولى . وسط مناظر وأنغام جميلة ، ويستقبلون الحس من كل شيء ، وسيفيض الجمال على أعينهم وآذانهم من سبل الأعماق الصافية كالهواء العليل المنعش للصحة ، والذي يهبُ من مورد نقي فيُهذب روحهم دون أن يشعروا ، ويدفعها نحو التشبه بالجمال الذي أنتجه العقل و يحببهم فيه ".
ويرى جودي ( 1997م ) أن " الطالب في مراحله الدراسية لابد أن ينال حظه من الثقافة الفنية لكي يُصبح مواطناً ذكياً ، يلعب الذوق والحس المرهف دوراً هاماً في سلوكه وفي حياته ، ويُمكن أن يستند على ذوقه وثقافته الفنية في بناء حياته الجديدة ، وجعلها مُريحة في نفس الوقت ويتعود على الاستمتاع بالأعمال الفنية الجميلة ، وجمال الطبيعة وإدراك قيمتها حسياً وعلاقاتها التشكيلية المنسجمة " .
مما سبق يتضح لنا أهمية غرس الاتجاهات الايجابية لدى الطلاب في التعامل الأخلاقي مع البيئة ، من حيث المحافظة على نظافة الشوارع والمرافق العامة وتكوين اتجاهات عامة في المجتمع لمكافحة كل صور التلوث البيئي ، وخاصة عندما يكون هؤلاء الطلاب في المستقبل أصحاب قرار مؤثر في البيئة الجمالية من خلال جعل جميع أنشطة الإنسان أقل ضرراً على البيئة .
           
·       البسيوني ، محمود ( 1986م ) : تربية الذوق الجمالي . دار المعارف .
·       جودي ، محمد حسين ( 1997م ) : طرق تدريس الفنون . عمان : دار المسيرة للطباعة والنشر والتوزيع .