الثلاثاء، 13 مارس 2012

الحدس ..؟؟

·       دور الحدس في الخبرة الجمالية  :

        الحدس نشاط معرفي وأداة يستخدمها الإنسان بأشكال متنوعة ، فهو يُحس حدسياً ، ويشعر حدسياً ، ويُنوع حدسياً ، ويعقل حدسياً ، ولذا فإن محاولة إيضاح دور الحدس في الخبرة الجمالية أو البحث عن حدس جمالي له طبيعة خاصة أمر يقتضي أن نقول إن ما نسميه الحدس الجمالي هو نفسه النشاط الحدسي ، إلا أنه يتم صبغة بالصبغة الجمالية حين يستخدمه المُبدع أو المتلقي في خبرتيهما الإبداعية والتذوقية ، ولذلك فإن هذا يفرض علينا أن نتعرف على الحدس بمعناه العام لنُدرك أبعاده وماهيته :

·       المعنى العام للحدس :

     يشتق هذا اللفظ من أصل لاتيني هو Inturei ) ) الذي يعني النظرة الفاحصة المصحوبة بشيء من الدهشة والإعجاب ، فهي حملقة ( gaze at ) وتأمل والتفات إلى شيء ما ؟؟ وفي البداية كانت الكلمة مقصورة في استعمالها على الخبرة البصرية visual experience ) ) المباشرة ، ثم اكتسبت معنى البصيرة ، بالإضافة إلى موضوع الإبصار نفسه ، وفي هذا الإطار الحسي أصبح الحدس      نظرة مباشرة إلى شيء بعينه يفصح عن ذاته بطريقة مباشرة في تمامه المحسوس concrete fullness ) ) دون وساطة من أي قناة معرفية أخرى أو محتوى آخر ، وهذه الجذور الدلالية تكمن في سمات العقلية ( اليونانية والعربية والعبرية )  كما نلمحها في التفكير الأفلاطوني الأوغسطيني ، وعندما اتسع معنى الكلمة صارت تعني الإدراك المباشر لموضوع في صيغته الآنية وحقيقته الملموسة ( المتعينه ) من خلال المدركات الحسية ( متضمنة الذاكرة والخيال ) أو العقل .

     وبعد ذلك اكتسب الحدس معنى ذا مسحة مجازية فصارت الكلمة تعني القدرة الإنسانية على الاستيعاب المباشر لموضوع instant and immediate understanding أو موقف ( a situation ) وما شابه ذلك ، وصارت فكرة المباشرة التي تصف الحدس تضعه في تناقض مع ملكة الاستدلال العقلية التي تتوسل المفاهيم والفروض ، وامتد الحدس بمعناه بحيث تتمازج فيه الذات والموضوع إن جزئياً أو كلياً ، والمعرفة الحدسية بهذا المعنى تستبعد كل تحليل أو تبرير عقلاني أو سيكولوجي .
    وفي قاموس أحدث من قاموس ( مارسيا إلياد ) يُعد الحدس ( Intuition ) علاقة مباشرة على نحو أصيل بين العقل وشيء مُجرد ، وهي علاقة مناظرة للرؤية البصرية ( Visual seeing ) غير أنها ليست متاحة للحواس .

        وفي المعجم الفلسفي فالحدس هو الإدراك المباشر لموضوع التفكير ، وله أثره في العمليات الذهنية ، فيُلحظ في الإدراك الحسي ويسمى حدساً حسياً sensible ) ( Intuition ويكون أساساً للبرهنة والاستدلال ، ويسمى حدساً عقلياً rationelle ) Intuition ) فبالحدس نُدرك حقائق التجربة كما ندرك الحقائق العلمية ، وبه نكشف عن أمور لا سبيل إلى الكشف عنها عن طريق سواه ، وهو بهذا أشبه بالرؤية المباشرة أو الإلهام .

    أما موضوعات الحدس فقد اتفقت معظم القواميس على أنها تتصل بمجالات معينة من الوجود مثل ( المُثل ، وماهية الأشياء ، والموضوعات المجردة ) مثل الأعداد Number ) ) أو الخصائص والكيفيات ( properties ) أو حقائق معينة غير قابلة للبحث من خلال الحواس أو التكميم ( Calculation ) .

·   د. وفاء إبراهيم ( 2000م ) : دراسات في الجمال والفن . القاهرة : دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، ط1 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق