· ثانياً / التذوق الفني يُنمي الرؤية الفنية :
تُعتبر الرؤية الفنية سلوكاً وليداً للتذوق الفني , ويحتاج الفرد إلى هذا النوع من الرؤية التي تُثري حياته وتجعل عالمه أكثر اتساعاً وتعكس التفاؤل والأمل في وجوده , وترى عبير صبحي (1999م) أن فكرة الرؤية الجمالية تعود إلى وحدة الطبيعة ، والتكامل ، والاتزان في الشخصية ، وكل هذا يوجد نوعاً معيناً من الشخصيات التي نحتاجها في المجتمع , و الرؤية الفنية ستُعطي المتذوق فرصاً لقراءة الأعمال الفنية وفهم علاقاتها الجمالية ، وفهم محتوى الشكل ، بل وستضيف إلى المتذوق خبرات جديدة مُرتبطة بتقنيات العمل الفني وطرق أداءه ، وستزيد من اهتمامات المتذوق لتتبلور من خلالها اهتمامات جديدة تُعدل من سلوكه ، وتُنمي فيه كل ما هو خير وجميل .
· ثالثاً / التذوق الفني يُساهم في تكامل الشخصية :
ومن أهم ما تهدف إليه الفنون التشكيلية البصرية والتربية الفنية في سياق أهدافها العريضة التأكيد على تكوين وتعزيز شخصية الفرد المتكاملة من خلال تقوية إحساسه بمكامن الجمال وإدراك العلاقات بين الأشياء ، وتكامل الشخصية قد لا يتحقق بالمعنى الشمولي دون أن يُعنى الفرد بالتعرف على الجوانب الفنية وتثقيف نفسه فنياً أو تهذيب ذوقه الفني المتصل بوجدانه , و الفرد بدون ذوق فني يفقد اهتمامه بالمظاهر الجمالية للحياة .
والشخصية المتكاملة يمكن أن نتصورها في أحسن حالاتها على أساس مستوى المعرفة العلمية والخبرات الحياتية الإيجابية ، ومدى توفر الأبعاد الإنسانية ، والتذوق والحس الجمالي والوجداني , حيث ينعكس ذلك في التنظيم الجمالي لحياة الفرد وعلاقته بما حوله ، ذلك التنظيم الذي يُمكن الفرد من تصمم بيت جميل يسكن فيه ، ومكتب أنيق يعمل به . تكاملاً يجعل الفرد يعتني بانتقاء ملابسه ، واختيار أثاث مكتبه ومنزله بكل عناية تواكب الذوق الجمالي المتفنن , وغير ذلك من الأشياء التي يستخدمها الفرد في حياته ، ولعلنا نُدرك من خلال كل ذلك بأن من الأهداف العامة للفن التشكيلي والتربية الفنية إيجاد جيل على مستوى مُتقدم من التذوق للقيم الإنسانية والجمالية ، والتي بدونها يتحول المجتمع إلى العشوائية الفوضوية ، والابتذال الممزق في تدني مستوى العلاقات الإنسانية .
والأنشطة الفنية الخلاقة يتم تعلمها بالخبرة والممارسة ، فهي ليست خاضعة لقوانين معرفية مُجردة من الإحساس ، بل هي مبنية على مشاعر وانفعالات جمالية ، ووجدان سيكولوجي واستعداد للتذوق المفعم بالحيوية ، فهي لا تنمو بالضغط ولا توجد بالإكراه بل تنمو تلقائياً بإرادة حُرة , ويكون الفرد فيها قادراً على تجسيد انفعالاته وإظهار مشاعره وعواطفه للآخرين ، وتمثيل مشاعره بالعلاقات التشكيلية في الخط ، والشكل ، واللون ، وإظهار أحاسيسه وخلجاته النفسية المتعلقة بالحب ، والفرح ، والحزن ، والخجل ، والكبرياء ، أو الغضب ، والكراهية وجميع الحالات الانفعالية و الأخلاقية . والفن أوجد في التعليم العام لغرس الجمال والأخلاق الحسنه في النفوس , وتأكيد الحرية في التعبير والتوجه للبوح عن موضوعات الفضيلة والخير في كل ما يتعلق بحياة الإنسان .
ويُشير البسيوني ( 1984م ) إلى أن هدف التربية الفنية هو السعي نحو تكامل الشخصية بكل مقوماتها الفكرية ، والحسية ، والسلوكية ، والمعرفية ، ويعني التكامل هنا نمو كل جوانب الفرد ، وعاداته ، واتجاهاته ، ومفاهيمه ، واستجاباته الجمالية , و الحسية , بتواؤم وتآلف بحيث ينعكس كل ذلك في الأفكار ويرتقي بسلوك المتعة ارتقاءً حضارياً يظهر في نهايته على أنه شخص يختلف تماماً عن الشخص قبل أن يخوض في ميدان الفن التشكيلي والتربية الفنية ، وبأنه ازداد شيئا كان ينقصه واكتسب خصائص لم تكن متوافرة لديه ، حيث أصبح إنساناً أخر غير الذي لم ينل حظة من هذه العملية . ويؤكد ( البسيوني ) على أن دور ومسؤولية معلم التربية الفنية يتعلق بالمتعلم ككل وليس قاصراً على مهارات الفن التشكيلي وحدها ، فمتعة التعلم خلال العملية الفنية في أنه يُحس ويُفكر , و يُترجم تفكيره وإحساسه في قوالب مفهومة ومحسوسة للرائي الذي يتفاعل معها .
· البسيوني ، محمود ( 1984م ) : التربية الفنية بين الغرب والشرق الأوسط . دار المعارف .
· عبير صبحي محمد دياب ( 1999م ) : برنامج مقترح للتربية المتحفية كمدخل للتذوق الفني للطفل . رسالة ماجستير غير منشورة ، مصر : كلية التربية الفنية ، جامعة حلوان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق