· خامساً / التذوق الفني يُنمي الانتماء والشخصية الوطنية :
إن من أهداف المجتمع إعداد فرد متكامل مؤمن بربه ومنتمي لوطنه وأرضه ويعمل على إسعاد مجتمعه ، والتذوق الفني يلعب دوراً هاماً في تنمية هذه المشاعر وتأكيدها ، فحب الوطن لا يمكن أن ينمو دون أن تُغرس هذه المشاعر في النشئ ، كما يمكن أن يُعلم الكبار ذلك من خلال الاهتمام بآثار الحضارات والفنون في وطنهم وتذوقها ، وكلما زادت معرفة الطالب بمكانة وطنه وتطوره الحضاري ومنزلة تلك الحضارة بين الحضارات المختلفة فإن ذلك سيزيد من فهم الطالب لشخصيته وانتمائه الذي هو جانب من تكوين الشخصية الوطنية . وتُشير عبير صبحي ( 1999م ) إلى أن " التذوق الفني يربط النشئ بالبيئة الطبيعية الجمالية المحيطة بهم ويجعلهم أكثر تكيفاً وقدرةً على التعايش ومحاولة التطوير ، كما أن التذوق الفني مرتبط بالسلوك الابتكاري الذي يكتسبه المتذوق كنتيجة لاحتكاكه بالأعمال الفنية ، وفهمه للإبداع الفني , والفن والتذوق الفني يخلقان نوع من الاتزان بين الاهتمامات الفطرية والاتجاهات الإنسانية ، ومما لا شك فيه أن العديد من الخبرات ستنعكس على شخصية الطالب وسلوكه كنتيجة للتذوق الفني " . والمعايير التي نُقدر بها الفن هي معايير اجتماعية مُشتركه , فعملية التواصل من خلال التذوق الفني تعمل على تنميه روح التألف بين الفنان والجمهور , وبين المتذوقين أنفسهم مما يُعزز الإحساس بالمشاركة وانتماء الفرد للجماعة والوطن .
كما أن عمليه النقاش وتبادل الخبرات والآراء بين الطلاب حول الاحكام التي يطلقونها وفق تفضيلاتهم الشخصية ووفق المعايير السائدة للتذوق الفني في المجمع تمكنهم من التفاعل الاجتماعي والتواصل ، وتكوين القيم المشتركة التي تساعدهم على التكيف الاجتماعي وتُعزز القواسم الثقافية المشتركة بين أبناء المجتمع .
· سادساً / التذوق الفني يُنمي المعرفة والتفكير الناقد :
تكمن أهمية التذوق الفني في أنه نافذة الفرد للتأمل والاطلاع على آيات الله في خلقه بعين فاحصة تُميز مواطن الإبداع في البيئة الطبيعية وفيما أنتج الإنسان وأبدع , ومن خلال هذه الرؤية التأملية والإبداعية نتعلم التصنيف ، والتحليل ، والتمييز بين مستويات الجمال والإبداع .
وتُشير فاطمة ومحمد ( 2005م ) إلى أن " الثقافة البصرية لها علاقة وطيدة بأساليب المعرفة ، والتأمل ، والتفكير ، والنقد والإبداع وقد عرف هوارد ( Howard ) 1989م الثقافة البصرية بأنها مجموع القدرات البصرية التي يُمكن للفرد أن ينميها بواسطة الرؤية لتكون لديه القدرة على الانجاز والتكامل مع الحواس الأخرى . ومن أهداف الثقافة البصرية تنميه قدرة الفرد على التأمل ، والرفض ، والقبول ، وإصدار القرارات " .
وفي هذا الصدد يرى ( توماس وست Thomas west ) أن بعض عظماء المفكرين في المجالات المختلفة اعتمدوا على أنماط التفكير البصري مُستخدمين صوراً ذهنية أكثر من الاعتماد على اللفظية والرموز , أي بعيداً عن الكلمات والأعداد , كما يرى أن طرق التفكير البصري والمكاني يبدو أنها تناسب جيداً معالجة مشكلات معينة , وأن هذه الأساليب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكثير من الإنجازات الإبداعية في مجالات العلوم والفنون ، ويُعتبر اتجاه (جودمان Goodman ) المعرفي من أبرز الاتجاهات الحديثة في دراسات الفن , فقد قدم جودمان النظرية الإرشادية أو نظرية العلامات ( Semiotic Theory ) في مجال الفن ، حيث نظر إلى الأعمال الفنية باعتبارها انساقاً من الرموز ، وقام بعقد مقارنات بين التمثيل البصري والوصف اللفظي , و قال أن قراءة اللوحات وقراءة النصوص تشملان على عملية تمييز وإحاطة بصرية , وأن الخبرة الجمالية هي خبرة دينامية وليست خبرة سلوكية ، وأنها تشمل على القيام بتمييزات دقيقة , وعلى التنبيه إلى العلاقات المرهفة الدقيقة , وعلى تحديد الأنظمة الرمزية والخصائص المميزة داخل الأنساق الفنية . ويرفض ( جودمان ) فكرة أن الفن أكثر انفعالية وأقل معرفية من العلم , ذلك لأن الخبرات الجمالية والعلمية تتشابهان كونهما ذوات طبيعة معرفية .
وقد أشار جروان ( 1998م ) إلى تعريف باريل ( Barell ) للتفكير بأنه في أبسط تعريف له عبارة عن " سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمُثير يتم استقباله عن طريق واحده أو أكثر من الحواس الخمس ( اللمس ، والبصر ، والسمع ، والشم ، والذوق ) والتفكير بمعناه الواسع عملية بحث عن معنى في الموقف أو الخبرة وقد يكون هذا المعنى ظاهراً حيناً وغامضاً حينًا آخر ، ويتطلب التوصل إليه تأملاً وإمعان نظر في مكونات الموقف أو الخبرة التي يمر فيها الفرد ، ولذلك فهو يتضمن استكشافاً وتجريباً ، و نبدأ التفكير عادة عندما لا نعرف ما الذي يجب عمله بالتحديد " .
و يُعرف إبراهيم ( 2004م ) التفكير بأنه " نشاط عقلي واع يسعى لحل مشكلة أو موقف غامض ، أو إيجاد وسيلة تخفف من متاعب الحياة " . ويضيف " أن الإنسان المُفكر يُلاحظ بعقل متفتح كل ما يمر أمامه أو يثير فضوله , وأن التفكير الناقد هو عبارة عن مهارات التمييز بين الحقائق والأداء , والحكم على مدى صحة وصدق وقيم الشيء , لأن التفكير الناقد يعني تكوين عادة الامتناع عن إصدار الأحكام إلا إذا اكتملت الأدلة " .
إننا نكشف في تحليلنا الجمالي للأعمال الفنية حقائق عن الحياة , ونتعرف على أساليب متميزة من الأداء الفني عن طرق التخيل والرموز بالقدر الذي يسمح بفهم جذور الحضارة الإنسانية التي شملت الفنون وحياة الناس وردود أفعالهم تجاه العالم من حولهم . فمن خلال دراسة تاريخ الفن والتأمل في الأعمال الفنية يُلم الفرد بأساليب الفن التي كانت مُتبعة آنذاك وبفلسفة الفن ونظرياته ، كما يُلم بالأساليب الحياتية السابقة كالحياة الدينية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، والعلمية . و هذا النوع من المعرفة الحسية لا يتسطيع الفرد أن يستغني عنه لأنه جانب هام يُمثل كنوز الماضي وذخيرة المستقبل ، و ينم عن ما استطاع الإنسان أن يصل إليه من اكتشافات وأفكار .
إن الهدف الأساسي من تدريس التذوق الفني يتمثل في تعليم الطلاب كيف يفكرون بتأمل وبشكل نقدي بصرف النظر عن طبيعة الموضوع . ودراسة التذوق الجمالي تُصبح مقدمة لنشاط فلسفي أساسي لإكتساب المعرفة الذاتية . من ذلك كله يتبين لنا أهمية التذوق في تنمية القدرة على التفكير المنطقي المبني على المنهج العلمي الصحيح في تناول الظواهر التي تحدث من حولنا ، وأن العين هي وسيلة الإنسان الأولى للاتصال بالعالم الخارجي ، والتذوق الفني يعود الفرد ويشجع التلاميذ ليكونوا أصحاب وجهة نظر متميزة نحو جميع القضايا التي تواجههم في الحياة من خلال انتقال تلك الخبرة .
· فاطمة أبو النوارج ، ومحمد صالح ( 2005م ) : جماليات الكون . ج3 ، القاهرة : مطابع الأهرام التجارية .
· جروان ، فتحي عبدالرحمن ( 1998م ) : تعلم التفكير - مفاهيم وتطبيقات . دار الكتاب الجامعي .
· إبراهيم ، مجدي عزيز ( 2004م ) : استراتيجيات التعلم وأساليب التعليم . القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
· عبير صبحي محمد دياب ( 1999م ) : برنامج مقترح للتربية المتحفية كمدخل للتذوق الفني للطفل . رسالة ماجستير غير منشورة ، مصر : كلية التربية الفنية ، جامعة حلوان .