الأربعاء، 28 مارس 2012

التذوق الفني من زاوية تربوية ..

                 
في هذه المساحة من المدونة سيتم تسليط الضوء على الجزء الأول من الأهمية التربوية للتذوق الفني ، حيث أن الهدف من عملية التذوق الفني ليست الاستمتاع بجمال الأعمال الفنية فقط ، بل إن هنالك فوائد تربوية عديدة لهذه العملية من أهمها :
·       أولاً / التذوق الفني كسلوك جمالي وتهذيب وجداني :
     حيث تُشير حنان حسين ( 2001م ) إلى أن ( ولسون  Willson ) أكد بأن الطالب عندما يكتسب القدرة على التذوق الجمالي فإنه يكتسب ثلاثة أنماط من السلوك هي ( التقدير , والتعاطف , والإحساس ) وهذا يُساعد على الاستمتاع بالعوامل الجمالية في الفن والبيئة ، وفي التذوق الفني خبرة تساعد الطلاب على البحث وإدراك العلاقات من خلال المراحل التي يمر فيها المتذوق وهذا ما أكده محمود البسيوني ( 1961م ) حيث أشار إلى ثلاثة مراحل يمر فيها المتذوق وهي :
أ - مرحلة البحث (Enquiring  ) :
وتتميز هذه المرحلة بالدقة والتمحيص , والتأني في ادراك العلاقات والربط فيما بينها واستنباط القيم المؤثرة , وتتميز أيضاً بالتأمل وهو نوع من النشاط الذهني العميق ، حيث يستجمع فيه الفرد كل خبراته السابقة التي تعينه على النفاذ إلى أعماق العمل الفني وتفسير ما يشمله من مكونات وعناصر . وتحتاج هذه المرحلة من المشاهد أو المتلقي جهداً ومثابرةً وبذل أنواع مختلفة من النشاط الحسي للكشف عن العوامل التي تحقق الاستمتاع الجمالي .
ب - مرحلة الاكتساب ( Acquiring  ) :
حيث أن الفرد يكتسب المتعة الجمالية من خلال البحث التأملي الفاحص في مكونات العمل الفني ، والتي تُكسب شخصيته طابعاً جمالياً ينعكس على تعديل سلوكها وتهذيب وجدانها وتضاف إلى رصيدها من الخبرة , والتي تكون وسيلة لتذوق مواقف جمالية جديدة .
ج - مرحلة التعميم ( Generalization ) :
وفي هذه المرحلة يُطبق ويعمم الفرد ما اكتسبه من المواقف الجمالية المختلفة على سائر المواقف في المستقبل نتيجة تكوين حصيلة معرفية تُضاف إلى رصيده من الخبرة السابقة .
ومما سبق نجد أن التذوق الفني خبرة معرفية يحصل عليها المتذوق من خلال عملية الاستكشاف الفاحص مُستخدماً فيها بصره وعقله التأملي الواعي ، ومُنمياً من خلالها مهارات البحث والتقصي لديه ، وهو بذلك يربط الخبرات الجديدة بالخبرات السابقة ليصل إلى الخبرة الجمالية ، فيحصل على خبرات تصقل وتهذب وجدانه وتجعله يُطبق ما يحصل عليه من معارف وخبرات في مواقف تعليمية وحياتيه جديدة ، وهذا ما تؤكده عبير صبحي (1999م) حيث ترى " أن التذوق الفني بمفهومه المعاصر أصبح من السلوك الإبتكاري والجمالي الذي يُنمي حب المعرفة ، ودقة الملاحظة ، وحرية الاختيار ، والحكم على الأشياء ، ومقارنتها . وهذا السلوك يُدعم شخصية الأفراد بسلوكيات وأساليب الرؤية والمعرفة والبحث التي تختلف كثيراً عن ما لو كان الشخص غير مُدرب على التذوق الفني , وحاجة المجتمع ماسة إلى هذه السلوكيات الجمالية , حيث أن المعرفة سواء بالفنون أو في العلوم بدون تذوق تُفقدنا الكثير  فتصبح مواد جافة لحشو الذهن ، أما التذوق فيُعطي العلم والمعرفة جانب الاستمتاع ويُضيف على البحث مهارات جديدة تؤكد قيمته " .

·       حنان حسين دقماق ( 2001م ) : منهج مقترح لتنمية التذوق الجمالي لغير المتخصصين من شباب الجامعات . رسالة دكتوراه غير منشورة ، مصر : كلية التربية الفنية ، جامعة حلوان .
·       البسيوني ، محمود ( 1961م ) : آراء في الفن الحديث . ط3 ، دار المعارف .

                                                                
                                                                        

الاثنين، 26 مارس 2012

أدبيات التذوق الفني ؟

أهم الأدبيات المتعلقة بالظاهرة الجمالية والتذوق الفني  :
1 ) التذوق الفني هو قدرة الفرد على الإحساس بالقيمة الجمالية والفنية والتعبيرة في
     الأعمال الفنية التي أنتجها الإنسان عبر العصور ، والتواصل اللفظي في الحديث
     عنها بلغة الفن مع الآخرين .
2       ) أن الفن جزء من الظاهرة الجمالية , وبالتالي فأن التذوق الفني جزء من التذوق  
     الجمالي .
3       ) أن الإحساس بالجمال إحساس فطري ينمو لدى الفرد من خلال التعلم ومن خلال البيئة الجمالية , إلا أن التعلم والخبرة ضروريتان للتذوق الفني .
4       ) الاطلاع على التجارب الإنسانية في تاريخ الفن مهم وضروري لتذوق الأعمال الفنية وفهم معانيها والحكم عليها .
5       ) التذوق الفني قدرة متميزة بين الأفراد , تبعاً لعوامل كثيرة منها البيئة ، ونوع الجنس ، وأنماط الشخصية ، والخبرة الجمالية ، والعمر الزمني وغيرها .
6       ) التذوق الفني سلوك قابل للقياس من خلال مقاييس تتمتع بدرجه عالية من الصدق والثبات , وهذه المقاييس تقيس الحساسية الجمالية ، والتفضيل الجمالي , والحكم الجمالي .
7       ) المتذوق الفني يمر بتجربة إبداعية مشابهة لتجربه الفنان .

                                                                           محمد العبدالكريم **

في مضمار التذوق الفني ..؟

     أثبتت العديد من الدراسات والبحوث العلمية أنه لا يمكن أن يتم التذوق الفني بمعزل عن الظاهرة الجمالية التي ولدت مع وجود الإنسان على الأرض , لأن الإحساس بالجمال والتفاعل معه سمه أودعها الله سبحانه وتعالى في الجنس البشري وخلق له في الكون جمالاً يتذوقه ليدرك عظمة وقدرة الخالق جل وعلا في خلقه ، والفن شكل من أشكال الجمال ابتدعه الإنسان مدفوعاً بإحساس الخبرة والمتعة منذ أن بدأ يرسم على جدران الكهوف , ليصبح كل ما أنتجه الإنسان من فن خبرات بشريه متراكمة عبر العصور ومن خلال الثقافات المختلفة , وقد تنوعت أهداف الفن تبعاً لفلسفة كل ثقافة وعصر فمنها أهداف تعبيرية لتوثيق الأحداث والخبرات الحياتية والعقائدية ، ومنها أهداف جمالية لتزيين محيط الإنسان وما يصنعه لنفسه من أدوات ، وتجهيزات , وملبس ، ومسكن .

      ويشير كثير من الباحثين إلى أن طبيعة الفن المتغيرة من عصر إلى آخر ، ومن ثقافة إلى ثقافة أخرى هي دعامة هامة من دعائم تميز الفن وتفرده وهي سبب من أسباب الجدل الذي يدور بين المفكرين والفلاسفة ، وحتى عامه الناس حول الفن .

     ولعل جميع الدراسات التي تناولت التذوق الفني تناولته في إطار الخبرة الجمالية وعلاقة الفن بالجمال ، ودور كل من المبدع و المتذوق ، وقد تعددت اتجاهات الكتاب والباحثين في تناولهم للتذوق الفني حسب تنوع تخصصاتهم العلمية ، فمنهم من تناول التذوق , في إطار علم الجمال أو فلسفه الفن , أو من المتخصصين في علم النفس الذين اهتموا بالتذوق كسلوك أو كاستجابة للمثيرات الجمالية والفنية ، وهناك من المتخصصين في التربية من تناول في كتاباته الأهمية التربوية للتذوق الفني كمدخل لتنمية الشخصية المتكاملة المنتمية لمجتمعها والقادرة على التكيف والتفاعل مع الآخرين ، ومن المتخصصين في التربية الفنية من تناول التذوق الفني وأثره على الخبرة الجمالية , والرؤية الفنية ، وذلك من خلال اعتبار التذوق الفني أحد الميادين الأربعة المكونة ( لنظرية التربية الفنية المبنية على الفن بوصفه مادة دراسية DBAE )   ودورالتذوق الفني المتكامل مع بقية محاور وميادين الفن ، وهنالك أكاديميين وكتاب تناولوا التذوق الفني من خلال خصائص وسمات العمل الفني ذاته وأثره على المتلقي أو المشاهد . 

                                                                     محمدالعبدالكريم ،،

الثلاثاء، 20 مارس 2012

النقد الفني ..؟

·       القيم الجمالية .. والحكم الجمالي :
    تعني القيم الجمالية الخصائص والسمات التي تلبي حاجة المتلقي للاستمتاع بالجمال ، أو ما يُفترض أن يكون عليه العمل الفني أو الشيء المشاهد ، وهي الصيغ التي تجعل الأشياء أكثر جمالاً ، وتقوم القيم الجمالية في العمل الفني على ثلاثة عناصر هي :
1)                  موضوع العمل الفني والذي يُمثل قيمة مُهمة تُحدد الاتجاه  التشكيلي الذي يسلكه الفنان في تأليفه لصياغات عمله التشكيلي .
2)                   الخامة التي نُفذ بها العمل الفني .
3)                   تقنية الأداء أو الأسلوب الذي نفذ به الفنان العمل التشكيلي .
فمن خلال معرفة هذه العناصر الثلاثة وربطها بالقيم الفنية المناسبة لها سوف يكون من السهل على النقاد تحديد معايير الحكم الجمالي الذي يعطي للعمل الفني مستواه الذي يستحقه ، ففي حالة وجود الأعمال الفنية في مسابقات بحاجة إلى تحكيم ، أو تصنيف ، فإن وضع أو إتباع معايير الحكم المناسبة تُصبح ضرورية ، وقد أقترح الدكتور / طارق بكر عثمان قزاز بعض العناصر لمعيار يصلح لتحكيم الأعمال الفنية كما يلي :
1)                  قدَم العمل الفني موضوعاً واتجاهاً فنياً لفت الانتباه .
2)                  استخدم الفنان خامة مناسبة للموضوع .
3)                  قدم الفنان أسلوباً تقنياً مُلائماً في تناوله للعمل الفني.
4)                  تقييم التكوين العام للعمل.
5)                  الصيغ التركيبية بين العناصر التشكيلية الدقيقة في العمل الفني.
6)                  الخطوط في قوتها وضعفها تناسب صيغة العمل الفني .
7)                  اختيار الألوان مناسب في معظم أجزاء العمل الفني.
8)                  مساحة العمل الفني والإطار متناسبة مع الصيغ الداخلية والتكوين
9)                  وضوح الرؤية الفكرية للعمل الفني ؟
10)            للعمل الفني أثر وقبول وارتياح وقوة جذب للمتذوق ؟
11)            أحدث العمل الفني انطباعاً عاماً بالجمال عند المتلقي ( المحكم ) .
12)            يتواءم العمل الفني مع تاريخ الفنان وسيرته الذاتية التي أطلع  عليها المتلقي ( المحكم ) .
وكما نلاحظ فقد راعى هذا المعيار تعدد الاتجاهات الفنية ، وتنوع الأساليب الفنية ، والخامات المستخدمة ، وكذلك الانطباع الشخصي للناقد أو محكم الأعمال الفنية ، ويهتم بدور الفنان حيث يجب أن يكون لسيرته وتجربته السابقة تأثير في تقييم أعماله ، فمن واجب الناقد أن يسأل " من هو الفنان ؟ " ذلك الشخص العبقري الذي أنتج تلك الأعمال الفنية ذات القيم الجمالية ، والتي يتم تحكيم جماليتها ، فهو صاحب الخبرة والممارسة ، والتاريخ الفني ، حيث يجب أن لا ننسى تأثير كل ذلك على قرار الناقد أو المحكم .

الثلاثاء، 13 مارس 2012

التذوق الفني ..؟؟

·       التذوق الفني والقيم :

    في كثير من شئون حياتنا نعمد إلى إصدار الأحكام باستمرار ، حيث نقرر أي الأفعال صائب ، وأي قطعة من اللباس تلاءم متطلبات المناسبة الاجتماعية ، أو رأي من هو الصواب ؟؟ وفي مجال الفنون نجد أن الاهتمام بالقيم يجد طريقه في الإفصاح عن تجاوب الجمهور مع الفنون البصرية شِأنه في ذلك شأن تجاوبه مع حقول النشاط الأخرى ، وغالباً ما يطرح الواحد منا تساؤلات مثل : ( كيف يتسنى لنا أن نعرف أن هذا الشيء جيد ؟ ومن هو الذي يُقرر ما هو الجيد وما هو الرديء ؟ ) وفي مجتمع يُعطي مسألة انتقاء الخيارات الصائبة أهمية استثنائية تبرز الرغبة في وضع أسس للاختيار الصحيح في الفنون بحقولها المختلفة ، والتساؤل الرئيس هو : هل يُشترط أن يهدف ( التذوق الفني )  إلى تطوير قابلية الأفراد ليكون باستطاعتهم إصدار الأحكام الجمالية ؟؟  بحيث نقول إن هذه الصورة جيدة وتلك رديئة ، هذه البناية عظيمة وتلك هزيلة ، هذه القطعة النحتية رائعة وتلك متواضعة ؟ وماذا تعني الكلمات التي تدلنا على قيمة الشيء مثل ( رائعة ، وعظيمة ، وجيدة ، ورديئة ، ومتواضعة ، وهزيلة ) حين تُطبق على الفنون البصرية ؟؟

    لعلنا إذا افترضنا أن هناك معياراً شاملاً مُعيناً يُمكن الأخذ به في الفنون البصرية ، فإن تطبيق اصطلاحات القيمة مثل ( جيد ، ورديء ) وغيرها يوحي بأن الناقد الذي يقوم بالتقويم على بينة ومعرفة تامتين بهذه المصطلحات وأبعادهما ، كما أنه قادر على تحليل الموضوع الفني وتطبيق هذه المصطلحات عليه بتجرد وموضوعية ، إن مسألة وضع قيم مُطلقة في مجال الجماليات سبق أن شغلت الفلاسفة قروناً ، وقد حاول الكثير من المتخصصين في علم الجمال أن يضعوا نظاماً تقويمياً للفنون ، لكن أياً من هذه الأنظمة لم تثبت أهليته ، فالمحكمين بلا شك يشرعون في تطبيق الأحكام التي أنشئوها ، وهم عند هذه النقطة يواجهون مشكلات أساسية حيث من المحال أن يتجرد المرء من استجاباته الشخصية وقيمه المجتمعية متوقفاً عند ممارسته لمهمته كمحكم فقط !!

    ومن الصعب أيضاً تطبيق القواعد والقيم الفنية التي كانت تناسب الماضي على أعمال الفن المعاصر والتي هي بطبيعتها تُنكر وتتحدى التقاليد الموروثة ، والمثال القائم على هذا الارتباك الذي يحصل لدى تطبيق القيم التقليدية على أشكال الفن المعاصر نجده في ردود الفعل العامة والنقدية ، والتي واجهت المصورين الانطباعيين في النصف الأخير من القرن التاسع عشر ، فقد قابل الجمهور والنقاد وأمناء المتاحف معظم الأعمال الفنية التشكيلية والتصويرية لهؤلاء الفنانين بالرفض والاستنكار لأنها أدخلت طرائق في استعمالات الزيت والألوان لم تكن معروفة آنذاك ، فرسوم ( مونيه ، وبيسارو وغيرهما ) والتي تُعد اليوم دون أدنى شك  أعمالاً فنية رائعة ، سبق أن استهجنها الحكام ورفضها الجمهور واعتبروها أعمالاً لا قيمة لها ، وأنها مُجرد شطحات لشرذمة من الأفاقين والمجانين الذين جانبوا ما يجب أن تكون عليه الأساليب الفنية السائدة في تلك الأزمنة !!

·   ناثان نوبلر ( 1992م ) : حوار الرؤية – مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية . ترجمة : فخري خليل ، مراجعة : جبر إبراهيم جبرا . بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط1 .

الحدس ..؟؟

·       دور الحدس في الخبرة الجمالية  :

        الحدس نشاط معرفي وأداة يستخدمها الإنسان بأشكال متنوعة ، فهو يُحس حدسياً ، ويشعر حدسياً ، ويُنوع حدسياً ، ويعقل حدسياً ، ولذا فإن محاولة إيضاح دور الحدس في الخبرة الجمالية أو البحث عن حدس جمالي له طبيعة خاصة أمر يقتضي أن نقول إن ما نسميه الحدس الجمالي هو نفسه النشاط الحدسي ، إلا أنه يتم صبغة بالصبغة الجمالية حين يستخدمه المُبدع أو المتلقي في خبرتيهما الإبداعية والتذوقية ، ولذلك فإن هذا يفرض علينا أن نتعرف على الحدس بمعناه العام لنُدرك أبعاده وماهيته :

·       المعنى العام للحدس :

     يشتق هذا اللفظ من أصل لاتيني هو Inturei ) ) الذي يعني النظرة الفاحصة المصحوبة بشيء من الدهشة والإعجاب ، فهي حملقة ( gaze at ) وتأمل والتفات إلى شيء ما ؟؟ وفي البداية كانت الكلمة مقصورة في استعمالها على الخبرة البصرية visual experience ) ) المباشرة ، ثم اكتسبت معنى البصيرة ، بالإضافة إلى موضوع الإبصار نفسه ، وفي هذا الإطار الحسي أصبح الحدس      نظرة مباشرة إلى شيء بعينه يفصح عن ذاته بطريقة مباشرة في تمامه المحسوس concrete fullness ) ) دون وساطة من أي قناة معرفية أخرى أو محتوى آخر ، وهذه الجذور الدلالية تكمن في سمات العقلية ( اليونانية والعربية والعبرية )  كما نلمحها في التفكير الأفلاطوني الأوغسطيني ، وعندما اتسع معنى الكلمة صارت تعني الإدراك المباشر لموضوع في صيغته الآنية وحقيقته الملموسة ( المتعينه ) من خلال المدركات الحسية ( متضمنة الذاكرة والخيال ) أو العقل .

     وبعد ذلك اكتسب الحدس معنى ذا مسحة مجازية فصارت الكلمة تعني القدرة الإنسانية على الاستيعاب المباشر لموضوع instant and immediate understanding أو موقف ( a situation ) وما شابه ذلك ، وصارت فكرة المباشرة التي تصف الحدس تضعه في تناقض مع ملكة الاستدلال العقلية التي تتوسل المفاهيم والفروض ، وامتد الحدس بمعناه بحيث تتمازج فيه الذات والموضوع إن جزئياً أو كلياً ، والمعرفة الحدسية بهذا المعنى تستبعد كل تحليل أو تبرير عقلاني أو سيكولوجي .
    وفي قاموس أحدث من قاموس ( مارسيا إلياد ) يُعد الحدس ( Intuition ) علاقة مباشرة على نحو أصيل بين العقل وشيء مُجرد ، وهي علاقة مناظرة للرؤية البصرية ( Visual seeing ) غير أنها ليست متاحة للحواس .

        وفي المعجم الفلسفي فالحدس هو الإدراك المباشر لموضوع التفكير ، وله أثره في العمليات الذهنية ، فيُلحظ في الإدراك الحسي ويسمى حدساً حسياً sensible ) ( Intuition ويكون أساساً للبرهنة والاستدلال ، ويسمى حدساً عقلياً rationelle ) Intuition ) فبالحدس نُدرك حقائق التجربة كما ندرك الحقائق العلمية ، وبه نكشف عن أمور لا سبيل إلى الكشف عنها عن طريق سواه ، وهو بهذا أشبه بالرؤية المباشرة أو الإلهام .

    أما موضوعات الحدس فقد اتفقت معظم القواميس على أنها تتصل بمجالات معينة من الوجود مثل ( المُثل ، وماهية الأشياء ، والموضوعات المجردة ) مثل الأعداد Number ) ) أو الخصائص والكيفيات ( properties ) أو حقائق معينة غير قابلة للبحث من خلال الحواس أو التكميم ( Calculation ) .

·   د. وفاء إبراهيم ( 2000م ) : دراسات في الجمال والفن . القاهرة : دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، ط1 .

الاثنين، 12 مارس 2012

لفته في التذوق الفني ؟؟

الفن والتعبير :

    يتوقف الإحساس بجمال عمل فني في رأي " شيللر " ( 1759-1815) على مدى اندماج شعور المتذوق مع شكل ذلك العمل الفني ، وقد ظهرت في ذلك العصر النظريات التي عرفت الفن على أنه " تعبير عن إحساس " ، أما كولنجودد  ( 1891- 1943) فيعرف الفن على أنه " تعبير خيالي يتجه نحو المظاهر المتعلقة بالصلات التي تربط بين الأشياء في ذاتها ، وعن ماهيتها المتميزة وطابعها المشخص ، وعندما يحول الفنان عملية الرسم إلى مستوى الرؤية الخيالية ، فسوف يُدرك بفنه الجانب المختفي وراء المظهر ، وكان الشاعر  وردزورث قد تناول الطبيعة في أشعاره وكأنها كائن يُحس ، وكذلك تعامل مع الأشجار والأزهار على أساس أنها تحلم وتتألم .

    وكذلك الفيلسوف الألماني كاسيرر (1874- 1945) والذي تناول الفن في كتابه ( فلسفة الأشكال الرمزية ) على أنه " تعبير عن شعور أو على أنه رمز للشعور " والحقيقة أن الفلاسفة الجماليين يستخدمون ألفاظاً مختلفة ، مثل ( الرمزية ، والتعبير ، والحدس ، والصور ذات الدلالات ) ولكل هذه الألفاظ معان تحتاج دائماً إلى تفسير .
وكان قد نشأ المذهب الرومانسي في القرن التاسع عشر كنوع من التعبير الرمزي المُطلق ، أو كنوع من الكشف النظري الميتافيزيقي ، ويُمثل التعبير العنصر الإنساني في العمل الفني ، وقد تناولت نظرية الفن كتعبير علاقة الفن بالطبيعية  على أساس مبدأ اندماج الفن مع الطبيعة ، والتأكيد على مبدأ الحيوية في الطبيعية .

    ويُفهم الفن على أساس أنه " تعبير " أو بوصفه تدفقاً للروح الإنسانية ، وكنوع من العاطفة ، يصادفه الإنسان في تجربة التأمل ، وهكذا يصبح الحافز للفن نابعاً من صراع الإنسان من أجل تقوية استبصار تأثر به ، ثم يقوم بتجسيده بواسطة التعبير ، وهذا التعريف للفن يُمكن أن يضم أنشطة غير فنية أوغير جمالية  ، رغم تأديتها لمهام تعبيرية ، ولذلك لا يمكننا اعتبارها نوعاً من الفن لأنها لا تُجسد رؤية جمالية أو تعبر عن تميز شكلي أثر في الفنان . وكانت النزعة التعبيرية تتجنب تفسير الفن على أساس نظرية محاكاة النظام الكامن وراء الواقع ، وأرادت أن تفهم الفن على أساس أنه تعبير عن الذات وعن المشاعر ، وأن ما يُعبر عنه الفنان هو ما يعثر عليه في ذاته ، وعندما يُعبر الفنان عن مشاعره فإنه يكون في الوقت نفسه يُعبر عن جانب من العالم والحياة ، لأن مشاعره تتعلق بهما . وللارتقاء بالموضوع الفني إلى مستوى التعبير يتطلب الأمر أن يتمتع ذلك الموضوع بقدر من التميز الجمالي ومن الهيئة الشكلية ، حتى يُمكن للمشاهد أن يُركز على تميزه كشيء مستقل عنا .

عطية ، محسن محمد ( 2005م ) : مفاهيم في الفن والجمال . القاهرة : عالم الكتب ، ط1 .


التذوق الفني :

·       تجربة التذوق :

        يُركز المتذوق وهو يتأمل عملاً فنياً على صفة جمالية أو مفاهيمية معينة ، فيستغرق في النظر إليها لذاتها ، ويصبح هدف الفنان أن يبقي على استجابة المشاهد حساسة تجاه عمله الفني ، من أجل أن يكشف طابعه الجوهري الأكثر خصوبة وتميزاً ، وذلك ما يؤكد على أهمية تنمية الإحساس بالتفرد ، ولكي يتمكن المشاهد من اكتشاف جمال شيء ، عليه أن يتعدى مرحلة الاقتصار في رؤيته على الخصائص الطبيعية ، ليصل إلى المظهر الخاص وإلى الصفات الصورية المتفردة التي تتمثل في الشكل واللون ، والاستمتاع الجمالي في هذه التجربة يتوقف على مقدرة المشاهد على الموائمة بين عواطفه وأفكاره ، وهو يوجه انتباهه إلى التميز الصوري بنضارة وحيوية غير اعتيادية .

    ويتطلب التذوق أن يتوقف المشاهد ليتأمل الجمال بتركيز دون إعاقة لعملية الاتصال المباشر بينه وبين العمل الفني . ولتمييز الصفة الجمالية يقوم المتذوق بعزلها بصرياً عما يحيط بها من باقي الصفات ، وبذلك يتمكن من إدراك فرادتها ، لأن الفن هو الوسيلة للكشف عن تفرد الصفات . ولجعل هذه التجربة أكثر قوة وأكثر حساسية ، يعمل الفنان أثناء كشفه لصفة التفرد إلى التوحيد بين عواطفه والطبيعة ، وبين العام والفردي ، وبين المجرد والمشخص ، بل وإلى التوحيد بين الواقع والقيمة .

  • عطية ، محسن محمد ( 2005م ) : مفاهيم في الفن والجمال . القاهرة : عالم الكتب ، ط1 .

النقد الفني المعاصر :


          لعل من الواجب أن نعرف هنا بأن :  الناقد الفني يعمل ضمن حدود مجموعة من النظم الثقافية ولذلك فهو ينطلق من مجموعة عناصر تتمثل في  ( عمل فني + وضع ثقافي ) نحو اكتشاف بنية الفن المعاصر ، وأن نُدرك بأن نظريات النقد الفني المعاصر ترفض التحليل أو التأويل بدعوى أنهما يردان الفن إلى مجردات و يحيدان طاقاته .

·           فالناقد الفني في ( المذاهب التقليدية ) يبحث عن قصديه الفنان أي ما أراد أن يعرضه الفنان وموقفة من الحياة و رؤيته لها من منطلق أنه يُعبر عن الواقع وعن اتجاهات المجتمع و روحه ، أما في ( النقد  الفني المعاصر ) فإن المتلقي هو الذي يُحدد " القصدية " !!  إن وجدت ؟ إذ أن وجود القصدية يتوقف على تصور المتلقي للشكل وعلى تفاعله معه ، وهكذا لا يقوم النقد الفني المعاصر على دراسة بناء الشكل للعمل الفني فقط , وإنما يُبنى على الرغبات والأهواء التي تنطلق من المتلقي بخبراته وثقافته  ، ودرجة إحساسه بالعمل الفني ، فالمتلقي لا يتوقف عند حدود قصدية الفنان .  

الأحد، 11 مارس 2012

التصور العام للنقد الفني :


·       أهداف النقد الفني العامة :

1- فهم معاني موضوعات الفن .
2- إدراك الخصائص التي تثبت جودة العمل الفني .
3- تحقيق المتعة التي تنشأ عن اكتشاف قيمة الفن وخصائصه النوعية .
4- تكثيف وتعميق متعة المتذوق ، إذ أن المعلومات التي يقدمها النقاد تساهم في عملية التذوق .
5-   وسيلة لنقل الأفكار عن الفن وعن الحياة التي هي أساس الفن .

·       ولا يكفي الإعداد النظري للناقد لكي يفهم أساليب الفن ووظائفه , والخصائص التقنية التي ساهمت وأثرت في تنفيذه والكشف عن قيمة الأعمال الفنية ، ولكن الحاجة أكبر للممارسة والخبرة الأدائية التي تجعل أحكام الناقد الفني قابلة للتبرير المبني على معايير وضوابط منهجية ، كما تتطلب عملية النقد الفني تبرير الحكم على عمل فني بكونه جيدًا أو رديئاً ..؟ والنقد الفني المفيد لا يبالغ في التفاصيل أو الانطباعات !! وإنما يُصبح العنصر المميز والأساسي فيه هو التقويم التحليلي .

·         ولعل الناقد الفني الحقيقي هو الذي يُركز على العمل الفني ذاته من حيث النقد الجمالي لتفسير العمل واكتشاف خصائصه الفنية من خلال التحليل ، أما الناقد الذي يُركز على قضايا الحقيقة في ارتباط العمل الفني بالقيم الدينية أو المجتمعية ويفصل النقد الجمالي فهو بذلك يؤدي ( وظيفة اجتماعية ) مثل واعظ / أو رجل سياسة / أو أخصائي اجتماعي و ثقافي ، ومن المفترض أن يمتزج التفسير الفني مع الفن لأن التفسير الفني يلتحم مع العمل الفني ذاته أو يساهم في اندماج الفن بكيانات أخرى ، ومسئولية الناقد هي اكتشاف أو إيجاد منظومة من العناصر ضمن ثقافة عصره بحيث تجعل الفن مفهوم .